المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التعصب القبلي


ابن سعران
01-10-2007, 06:53 PM
سلسلة تحقيقات لـ (الرياض) حول الظاهرة الخطيرة في المجتمع السعودي:
قنوات فضائية ومواقع الكترونية و"مزاين الابل" تغذي التعصب القبلي


http://www.alriyadh.com/2007/09/30/img/4444.jpg

تحقيق - أحمد الجميعة
تميز المجتمع السعودي بوحدة وطنية قل نظيرها في بلدان العالم.. وحدة في العقيدة.. ووحدة في الوطن.. ووحدة في القيادة.. هذه الوحدة التي أرسى دعائمها مؤسس هذه البلاد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه - قبل 77عاماً كانت ثمرة كفاح وجهاد استمر 32عاماً تحمل فيه المؤسس ورجاله الأوفياء المتاعب وارتقوا الصعاب ليتحقق لهذا الوطن وأبنائه وحدة يفاخرون بها.. ويستظلون جميعاً بظلها.. ويعيشون على نهجها اخوة متحابين ومتعاضدين ومتعاونين على البر والتقوى.. ويتوارثون ذلك جيلاً بعد جيل.. ليتحملوا في كل مرحلة مسؤولية الحفاظ على هذه الوحدة ومنجزاتها.. ويتصدون لكل محاولات المساس بها..

http://www.alriyadh.com/2007/09/30/img/222222.jpg

لقد عاش أبناء المملكة ولا يزالون منذ عهد المؤسس - طيب الله ثراه - وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - عاشوا جميعاً في وحدة ووئام.. وتآلف ومحبة.. وهم على هذا العهد باقون - ان شاء الله -.. ولكن التطورات المتسارعة التي شهدها العالم.. والانفتاح الاعلامي والثقافي والاقتصادي الذي شهدته المملكة مؤخراً عزز من حضور بعض المظاهر السلبية في المجتمع السعودي - وهو أمر طبيعي أن يكون هناك بعض السلبيات مقابل أي تطور وتحديث في المجتمع -، حيث برزت في الآونة الأخيرة مظاهر الاحتفاء والتفاخر بالقبيلة، من خلال القنوات الفضائية ومواقع الانترنت ورسائل (SMS) ورسائل الجوال، الى جانب تنظيم المهرجانات والاحتفالات الخاصة بكل قبيلة، ومن ذلك مهرجان مزاين الإبل للقبائل، ومجالس الشعراء وغيرهم..
وعلى الرغم من مشروعية هذا الانتماء والافتخار بالقبيلة كوحدة اجتماعية متماسكة تعبر عن نموذج متجانس من العادات والتقاليد والأعراف لمجتمع ما، إلا أن هذا الانتماء والتفاخر قد تجاوز في كثير من المواقف الاتصالية المباشرة وغير المباشرة دائرة الزهو بالذات، الى التعصب البغيض، والانتقاص من الآخرين، والنظرة اليهم بشكل دوني لا يليق.. وهو ما يفسر على أنه تهديد جوهري لوحدتنا الوطنية التي نفخر ونفاخر بها على الدوام وهو ما يشعر معه البعض بالتخوف والقلق، وما سيكون عليه الحال في المستقبل من تزايد ملحوظ لمظاهر التعصب القبلي في المجتمع السعودي وآثار ذلك أمنياً واجتماعياً وسياسياً على المجتمع.. إلى جانب تخوف البعض من تحول هذا التعصب الى ممارسات سلوكية تشعل فتيل أزمة قد تجر معها اختلافات وخلافات الوطن في غنى عنها..


http://www.alriyadh.com/2007/09/30/img/alriyadh1.jpg


إن المتابع لما تبثه القنوات الفضائية لاسيما الترفيهية منها - من رسائل (SMS) الى جانب ما تنشره مواقع ومنتديات الانترنت من تعصب فاضح للقبيلة والقبلية يدرك تماماً أن هذا الأسلوب أصبح اليوم ظاهراً للعيان وبأساليب ووسائل مختلفة، وجميعها تعبر عن "حالة تنفيس" قاسية بين أبناء الوطن.. ليبقى السؤال الأهم: لماذا يثار التعصب القبلي في المجتمع السعودي الآن؟ ولمصلحة من؟ وماذا سيحقق لمستقبل الوطن؟
إن كثيرا من الممارسات الاجتماعية التي تحدث في المجتمع الآن قد تجاوزت هذا السؤال رغم أهميته، وأصبح الحديث اليوم عن مظاهر جديدة تعمق جذور هذا التعصب دون محاولة لتقليم هذه الجذور التي خرجت عن دائرة المألوف ومن هذه المظاهر مهرجانات مزايين ابل القبائل، ومنبر "الشعر القبلي" الذي تروج له اليوم بعض القنوات الفضائية مثل "برنامج شاعر المليون"، كذلك رسائل الجوال التي تنقل بالصوت والصورة كثيرا من المواقف والقصص المرئية لحالة من "الهيجان القبلي" ضد الآخرين.. ومحاولة تقزيمهم وتكميم أفواههم..
لقد راهن كثير من المتابعين للمجتمع السعودي قبل عدة عقود ان مظاهر التعصب القبلي ستختفي مع تقدم المجتمع مادياً وفكرياً، ولكن الحقيقة اليوم انه مع تزايد فرص التعليم على جميع المستويات تزايدت هذه الظاهرة بشكل كبير، لاسيما لدى فئة الشباب الذي كان الجميع يتوقع أن تذوب لديهم كل العنصريات القبلية، ولكن ما نشاهده اليوم هو عكس ذلك تماماً.. "الرياض" تتناول في ثلاث حلقات متتالية "التعصب القبلي في المجتمع السعودي وآثاره السلبية على وحدتنا الوطنية" من خلال الالتقاء ببعض المختصين والمهتمين بهذه الظاهرة المتنامية، بهدف توعية افراد المجتمع من مخاطرها الاجتماعية والأمنية والسياسية على وحدتنا الوطنية التي تحققت بكفاح الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - ورجاله الأوفياء، مع التأكيد على ان اثارة هذا الموضوع لا يلغي احدا ولا يقلل من شأن أحد من ابناء القبائل المخلصين لدينهم ووطنهم وقيادتهم ، حيث نقدم في الحلقة الأولى وصفاً لظاهرة التعصب القبلي في المجتمع السعودي وأبرز مظاهرها وأسبابها وآثارها السلبية على المجتمع.. فيما نستكمل في الحلقة الثانية هذه المظاهر القبلية، فيما نتحدث في الحلقة الثالثة عن مزاين ابل القبائل والمواقف المتباينة منها مع تقديم التوصيات الخاصة للحد من آثار التعصب القبلي في المجتمع.


مظاهر التعصب القبلي
في البداية قدم المستشار القانوني الأستاذ ماجد بن طالب وصفاً لظاهرة التعصب القبلي وأسبابها وقال: الحديث عن التعصب القبلي لا يعني بحال عدم وجود غيره، فهناك أيضاً (التعصب غير القبلي)، ولكن لكبر الشريحة القبلية نجد أن التعصب القبلي هو الظاهر للعيان، ولأن مجتمعنا بطبيعة تكوينه قبلي، لذا كان الحديث عن التعصب القبلي وآثاره السلبية على المجتمع، ثم لا يفهم من ذلك أننا ضد القبيلة، بل الاستشراف بالقبيلة والنسب أمر لا ضير منه، ولكن دون تعصب، أو تفاخر على الآخرين، ودون انقاص من قدر الآخرين، أو أن يكون مؤدياً للكبر والبطر، فالرسول الكريم عليه افضل الصلاة واتم التسليم يقول (انا خير ولد ابن آدم ولا فخر) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وأضاف: لقد عنى ديننا القويم بالترابط بين أفراده، ومنع كل ما من شأنه المساس بهذه الوحدة، ولكنه هذب سلوك الصحابة وذم التفاخر والتنابز بالألقاب، بل إنه جعل ذلك من التمسك بخصال الجاهلية، حينما عنّف الرسول صلى الله عليه وسلم أبا ذر رضي الله عنه بقوله "إنك أمرؤ فيك جاهلية"، لأنه نال من أحد الصحابة الكرام، لأن أمه أعجمية، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم بين لنا أبعد من هذا عندما أخبرنا بأن هذه الخصلة إحدى ثلاث خصال التي لا تزال في الأمة، وذلك على سبيل التحذير منها، وهذا دافع كبير للحذر وبيان بأن كثيراً من الناس يقعون فيها، مشيراً الى ان العصبية القبلية ليست قاصرة على العرب بل هي في جميع الأعراق، فحتى العرق الواحد بينه عنصريات وأثنيات، ونبينا الكريم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فها هو مجتمعنا المعاصر يعج بأنماط مختلفة متنوعة بالعنصريات العرقية التي أزكمت رائحتها أنوف الغيورين على المجتمع السعودي، فعلى المستوى الوظيفي برزت القبلية في الترقيات والميزات والحوافز التي من شأنها اثارة الاحقاد والضغينة بين أفراد الشعب السعودي مما يؤثر على اللحمة الوطنية، وفي جانب العلاقات الاجتماعية كذلك وغيرها من الجوانب الاخرى في جميع مناحي الحياة.
واشار إلى ان مظاهر التعصب القبلي تتجلى كثيراً في أوساط المراهقين أكثر من غيرهم، وفي أوساط الاقل تعلماً أكثر من المتعلمين، وفي القرية أكثر من المدينة، ولدى العوام أكثر من الخاصة، فهي قد تكون هنا وهناك ولكن بنسب متفاوتة.
وقال ان التعصب القبلي يأخذ اشكالا كثيرة وهو مرض يتجذر ويمتد إلى كل نقطة في حياتنا، فحتى بين أبناء القبيلة الواحدة تجده حاضراً ناهيك عما سواه، وكلٌ يرى انه أعلى شأناً وأفضل مرتبة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه"، فالتعصب هو أساس الطبقية العرقية وهضم حقوق الآخرين والظلم والتعدي، مشيراً إلى انه في البيت يتربى ابناؤنا على التمييز بين الأجناس، سواء ما يعرض على الفضائيات والمسلسلات من التقليل من دور وفهم وادراك بعض الأجناس، أو ما يجده من أبيه أو أمه من رفع شأن من ينتمون اليه ومصطلح نحن وهم التي هي بداية وبذرة التعصب في كل شيء، كذلك في المدرسة يتضح التمايز وترتفع وتيرة التعصب بين القبلية وأبناء الحاضرة، وبين "خطوط الكهرباء 110و220" والتي لا تنير لنا مصباحاً نهتدي به في حاضرنا ومستقبلنا، أيضاً في العمل نجد المروءة والشهامة وتيسير الاجراءات والمساعدة فقط لمن توافقت اصولهم القبلية، أو الانتمائية، وبالمقابل نجد ان الاتهام بالمحاباة أو الانحياز قائم وحاضر في الاذهان، وذلك لأننا تربينا على المعنى الظاهر، والمفهوم الخاطئ لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"، كما يكون في الحياة العامة أظهر واقوى.
وأضاف أن اسباب التعصب القبلي في المجتمع السعودي تعود إلى تدني الفكر المعرفي، وضعف الوازع الديني بسبب الابتعاد عن تعاليم ديننا الحنيف وهدي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والانغلاق والتقوقع على الذات، والعيش على صدى الأزمان الماضية، وافلاس النفس وانهزامها أمام متطلبات المرحلة، وعدم القدرة على اكتساب ادوات المنافسة، مشيراً إلى أن وسائل تغذيتها هي أسباب وجودها في المجتمع، أضف إلى ذلك انتشارها عبر الفضائيات ببرامج ومسابقات واعمال فنية كثيرة.
قضايا التعصب في المحاكم والسجون
وعن أبرز القضايا التي انتهت إلى المحاكم والسجون بسبب التعصب القبلي، أوضح المستشار ابن طالب ان الجرائم التي ارتكبت بسبب التعصب القبلي كثيرة، حيث كان شيطان التعصب محرضاً ودافعاً لها، فقبل بضعة أيام طالعتنا احدى الصحف المحلية بخبر: اقدام أربعة مواطنين على قتل أحد الاشخاص بالرصاص أمام أحد المساجد عندما كان يهم بالنزول لاداء صلاة الظهر، بسبب أن المقتول انتقص من قدر قبيلتهم.
ومنها أن أحد الشباب كان ماراً في شارع من شوارع الحي إذ حصلت مشاجرة بين أحد من بني قبيلته مع شخص آخر من غير قبيلته وكانت الغلبة لمن لا ينتمي لقبيلته فاستغاث به ابن أخيه باسم القبيلة، فما كان من ذلك الشاب إلا أن تناول خشبة غليظة (مربوعة) فضرب بها رأس خصم ابن أخيه عدة ضربات اردته قتيلاً.
ومنها أن ذلك الشاب الذي كان في جلسة مع زملائه من بني قبيلته ووجدهم يتآمرون لسرقة (السوبر ماركت) القريب من حارتهم ، وعندما أراد الانصراف من عندهم اسدوا إليه دور إيصالهم (للسوبر ماركت ) وعندما رفض ذلك استعانوا بالحمية والرجولة إلى ان خضع لهم واستجاب لفعلهم وبعد أن نفذوا فعلتهم جرتهم يد العدالة واحداً تلو الآخر ولم تكن الحمية مانعاً لمحاكمته شرعاً لقاء اشتراكه معهم.
وقال ان المسلسل لا يتوقف، فالحال أن هناك حالات كثيرة ونزلاء سجون كثر بأسباب تلك العصبية، وغير خاف على أحد، ما تتناقله المنتديات، من مقاطع تدمي القلوب، وتنذر بفوضى وتقوض الأمن والاستقرار، وذلك كله بسبب التعصب القبلي.

لماذا اثارة القبلية الآن؟
وقال الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن محمد عسيري أستاذ علم الاجتماع بجامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية إن البناء الوحدوي الشامخ الذي ارسى اركانه الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن - رحمه الله - فاصبحت فيه القبائل دولة واحدة، وأصبح ابناؤها اخوة في العقيدة يسعون إلى هدف واحد هو رفعة الوطن، ذلك البناء يتعرض اليوم إلى "حرب خفية" تدار بأيد مجهولة وربما معلومة، وذلك من خلال اذكاء روح العصبية القبلية وتأجيجها في نفوس الناشئة، بهدف الوصول إلى تفكيك الوطن واعادته للوراء مئات السنين.
شاعر المليون
واشار إلى ان الإعلام العربي يحمل اليوم لواء معول الهدم، من خلال تبنيه لبرامج ذات توجهات عصبية قبلية، فبالأمس القريب كان برنامج "شاعرالمليون" ناقوس اذكى العصبية القبلية بكل أبعادها في كافة ارجاء المجتمع الخليجي، حيث أصبح شعراء المسابقة لا هم لهم الا مدح قبائلهم والتفاخر بأمجادها وانتصاراتها، في حين يقلل من شأن القبائل الاخرى، وقد باركت القبائل هذه "الحرب الكلامية" وأصبحت كل قبيلة ملزمة بدعم شاعرها ليس مهما أن يكون بارعاً في الشعر، فالأهم ان لا يتدنس شرف القبيلة بخروج شاعرها من المسابقة.
وقال الدكتور عسيري: لم يقتصر الأمر على برنامج يتيم بل ظهرت في الساحة الإعلامية العديد من القنوات الشعبية التي تقوم على تمجيد القبيلة، والفخر بالانساب والاحساب، مما جعل المراهقين والغوغاء يرابطون عند شاشات التلفاز، ويذودون عن حمى القبيلة من خلال رسائل الشات التي لا تعدو عن كونها سهاماً تطعن في جسد الأمة ووحدتها، فتولد الأحقاد، وتذكي العصبية القبلية بشتى صورها، حيث بدأت ظاهرة تشجيع القبلية بعد السماح بعرض مهرجان القبائل لمزاين الابل، والسماح بظهور رسائل المدح والتفاخر والانتقاص من بقية القبائل في شريط الشات في تلك القنوات.
المنتديات القبلية
وأضاف: اما المعول الآخر الذي يحفر في جسد الوحدة، فهو ما يعرف بالمنتديات القبلية، حيث انها أصبحت من الكثرة بحيث يصعب احصاؤها، وقد عددت تلك المنتديات فوصل العدد إلى قرابة (145) منتدى ثم توقفت عن البحث والعد، مشيراً إلى أن بعض هذه المنتديات منتديات فرعية لفخوذ من أبناء قبيلة واحدة، فيما الغالبية منها منتديات عامة لاحدى القبائل، ومن خلال تصفحي لبعض تلك المنتديات اتضح لي أن الجزء الأكبر من بوابات تلك المنتديات خصصت للفخر بالقبيلة وذكر أمجادها، وانتصاراتها على القبائل المجاورة، اضافة إلى تأجيج روح العصبية لأبناء تلك القبيلة وحثهم على بذل الولاء لمشايخهم وتمجيدهم، والدعوة لنصرة شعراء القبيلة المشتركين في مسابقة "شاعرالمليون" أوعرض اجتماعات القبيلة بمباركة مشايخها وكبار اعيانها لدعم مسابقة مزايين الابل الخاصة بتلك القبيلة، فعلى سبيل المثال ذكر احدهم في احد المنتديات ما نصه: (وسأكتبه كما هو دون تعديل املائي أو نحوي):
"أخي عزيز.. قل آمين بأن الله يكتب التوفيق لك ولكل رجل من أبناء قبيلتنا العزيزة.. هيا شعرائنا الاعزاء ها هيا فرصتكم لرفع بيرق (... اسم قبيلته....) فسيروا وبحفظ الله ومعكم قلوبنا ودعاوينا لكم يا ابنائنا الكرام.. فالآن اصبح الإعلام مرأت القبائل وأنتم اعلامنا في الخارج فو الله لولا ثقتنا بكم فلا نقول لكم - سيروا - قد نكون في الفتره السابقه محبطين في أمور كثيره... ولكن ها هي اللحظة والفرصة التي تجدد دمائنا الفائره والمتعنصره للاسم الذي رغم الخسارات المتتاليه في هذا الوقت سيكون شامخاً رغم انوف الصعالك والاعداء.."
مزاين الابل
ويقول آخر: "بحمد الله عقد اجتماع في مدينة الرياض حضره شيخ شمل قبائل (... اسم القبيلة...) وبعض اعيان ووجهاء قبيلة (......) تم في هذا الاجتماع الاتفاق النهائي على اقامة حفل مزاين ابل (......) وتم في الاجتماع مناقشة جميع الأمور التي تخص اقامة هذا الحفل الكبير وقام بعض المشايخ والأعيان بالتبرع بمبالغ نقديه وصلت لما يقارب المليونين الاجتماع سيتلوه اجتماعين آخرين اولهما سيكون في منزل الشيخ (.....) يتم طرح جميع المستجدات لاحقا فيه قيمة التبرعات واللجان المختصة وبعض الاسماء". في حين يقول ثالث: "لكن ما دام المزاين تم وعمل قبل... (اسم القبيلة)... (وش يقصر.. (اسم القبيلة) عن باق القبايل) لذا لزاماً أن نقيم حفل يليق.. (اسم قبيلته) ومكانتها. علماً بانه ليس للجنة أي حرية بالصرف خارج برنامج المزاين فقط وقد تم التعاقد مع مكتب محاسب قانوني بهذا الشأن".
وقال الدكتور العسيري يتضح من ذلك ان مهرجانات مزاين الابل قد كان "ثالثة الاثاقي"، فقد تحول من مهرجان وطني إلى مهرجان قبلي للتفاخر بأمجاد القبيلة، فالابل ليست إلا رموز يتم من خلالها ابراز قوة القبيلة، فقد عمدت كل قبيلة إلى اقامة مهرجان خاص بمزايينها، فتجمع التبرعات، وتقام المخيمات. وتدعو له شعراءها وابناءها من المسؤولين الحكوميين أو رجال الاعمال، بمباركة مشايخ القبيلة وحضورهم مما يجعل المهرجان يتحول من مهرجان للابل إلى مهرجان قبلي.

يتبع..................................

ابن سعران
01-10-2007, 06:56 PM
رموز القبائل الجديدة

وأضاف: ولعل من أبرز التأثيرات لمثل تلك الدعوات العصبية القبيلة، أن أصبحت القبيلة والانتماء لها، ونصرة أبنائها الشغل الشاغل حتى لصغار أبنائنا في المدارس المتوسطة والثانوية، فالملاحظ أنه حتى صغار الطلاب من أبناء القبائل يعمدون إلى كتابة رمز القبيلة على مناضد الدراسة، وعلى أغلفة كتبهم، في حين يعمد بعض طلاب الثانوية، وحتى الجامعة إلى كتابته على سياراتهم، لدرجة أن تلك الرموز وأسماء القبائل أصبحت تباع لدى محلات زينة السيارات، ومن خلال تتبعي للرموز القبلية التي انتشرت مؤخراً (انتشار النار في الهشيم) وجدت أنها أصبحت عرفاً واضحاً لدى الكثير، حيث تم استحداث أرقام خاصة بكل قبيلة فمن بين تلك الرموز التي يتداولها أبناؤنا الرموز التالية:

عتيبة (511)، سبيع (911)، العجمان (711)، العنوز (501)، شمر (555)، الحروب (111)، قحطان (505)، الدواسر (502)، تميم (811)، أهل الجنوب (07)، الرشايدة (285).

وقال: من خلال تتبعي لتلك الرموز وكيفية نشأتها والتفسيرات الخاصة بها، وجدت أنها تعني في مجملها ذات دلالة افتخارية بقوة القبيلة، فإذا ما اخذنا الرمزين (511)، و(505) باعتبارهما يمثلان رمزي قبيلتي عتيبة، وقحطان كبرى القبائل السعودية، نجد الرقم (511) على سبيل المثال لا الحصر يعزوه البعض إلى مكينة الجمس (511) التي يذكرون بأنه أقوى مكائن السيارات، في حين يرجعها آخر إلى وسم الأبل الخاص بالقبيلة فيذكر أن (511) يعني حلقة ومطرقتين حلقة التي هي "5" والمطرقتين "11"، في حين ذهب آخرون إلى ابعد من ذلك، حيث يرون أن (511) هي رقم الصفحة التي تبدأ بها سورة الفتح في القرآن الكريم، ويعد هذا التفسير من أكثر التفاسير خطورة فيما لو كان ذلك حقيقة لما يهدف إليه الرقم، فالمتأمل في معاني سورة الفتح يخرج بلا شك بتفسير في غاية الخطورة!، في حين يعزوها رابع إلى رقم أحد المرشحين في الانتخابات في إحدى الدول الخليجية ممن ينتمي لهذه القبيلة، ومن ثم تم تعميم الرقم وتبعتها القبائل الأخرى.

أما الرمز الآخر الذي يمثل قبيلة قحطان وهو "505" فيفسره بعض أبناء قحطان بأنه يعنى "أص ولا همسه"، حيث ينطق "خمس ميه وخمسه اص ولا همسه"، ويعني لا كلمة للآخرين في وجود قحطان، في حين يعزو آخرون هذه الرموز إلى احداثيات اللاسلكي ومحطاته المختلفة، فلكل قبيلة قناة خاصة بها، وتلك الأرقام هي ترددات تلك القنوات.

وأضاف: وتتضح الخطورة الاجتماعية والأمنية لتلك الرموز القبلية التي ظهرت بادئ ذي بدء بشكل واضح في مهرجان مزاين الإبل، وان كان يرى آخرون انها ظهرت بداية في المنطقة الشرقية، ثم انتشرت في باقي المناطق، ففي التفسيرات العملية التي أوردها بعض الشباب، حيث يذكرون العديد من التبريرات الايجابية لتلك الرموز، وسوف أورد أقوالهم كما ذكرت في بعض المنتديات الخاصة بقبائلهم "تدخل لغوي أو إملائي سوى اخفاء اسم القبيلة" فيقول أحدهم: "صحيح الفكرة للشباب الصغار وكانت تبدو بدون هدف أو معنى.. لكن مع مرور الزمن واشتهار هذه الأرقام أصبحت كما يبدو لي للسيارات مثل الوسم للإبل.. حيث يتعرف هؤلاء الشباب على ركاب السيارة التي تحمل هذا الرقم ويساعدون بعضهم عند حدوث بعض المشاكل فيما بين بعض الشباب من هذه القبيلة أو تلك حتى بدون سابق معرفة فيما بينهم وقد حصل مثل هذا الموقف أمامي بالصدفة".

ويقول آخر: "أخوي هذا شعارات تفيد لأن فيه ناسا ينشب بينهم خلاف ولا سمح الله أحد يقتل الثاني وهم ما يدرون انهم من نفس القبيلة وهذا شيء غير مرغوب فيه وشكراً".

في حين يقول ثالث: "والله يا خلان الأشده قمة القهر انك تشوف رجال ينضرب قدامك، وبعدما ينفرش على القاع تدري انه (ذكر اسم القبيلة) وياكثرها صارت لنا والحين الحمدلله من بعد هالشعارات عرفنا (ذكر اسم القبيلة) وصار (.......) لا تهاد ما يروح حقه".

وقال الدكتور العسيري معلقاً: مثل هذا التوجه للتعصب القبلي لدى أبنائنا هو بلا شك بذرة لفتنة كبيرة، لا يعرف مداها إلا الله، فنسيج الوحدة الذي تم حياكته على مدى مائة عام، مهدد بالتمزق والتشقق، ما لم يتم وأد الفتنة في مهدها، فإذا كان أبناؤنا الذين تربوا في مدن حضرية، ولا يعرفون من القبلية إلا اسمها، أصبحوا يفكرون بهذه العقلية العصبية القبلية فإن من هم أكبر منهم سناً ربما بلا شك أكثر ميلاً إلى اذكائها ونصرتها.

ابن سعران
01-10-2007, 06:57 PM
"الرياض" تطرح مشكلة التعصب القبلي وتأثيرها على وحدتنا الإجتماعية (3/2)
مشروعية الزهو بـ"الأصول" القبلية لا تجعلنا نفكر بأنانية ونتخلى عن مسؤولياتنا في الحفاظ على المنجزات


http://www.alriyadh.com/2007/10/01/img/011041.jpg بيت من الشعر على خلفية احدى السيارات يعبر عن التعصب امام أعين الجميع

تحقيق - أحمد الجميعة
تميز المجتمع السعودي بوحدة وطنية قل نظيرها في بلدان العالم.. وحدة في العقيدة.. ووحدة في الوطن.. ووحدة في القيادة.. هذه الوحدة التي أرسى دعائمها مؤسس هذه البلاد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه - قبل 77عاماً كانت ثمرة كفاح وجهاد استمر 32عاماً تحمل فيه المؤسس ورجاله الأوفياء المتاعب وارتقوا الصعاب ليتحقق لهذا الوطن وأبنائه وحدة يفاخرون بها.. ويستظلون جميعاً بظلها.. ويعيشون على نهجها اخوة متحابين ومتعاضدين ومتعاونين على البر والتقوى.. ويتوارثون ذلك جيلاً بعد جيل.. ليتحملوا في كل مرحلة مسؤولية الحفاظ على هذه الوحدة ومنجزاتها.. ويتصدون لكل محاولات المساس بها..
لقد عاش أبناء المملكة ولا يزالون منذ عهد المؤسس - طيب الله ثراه - وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - عاشوا جميعاً في وحدة ووئام.. وتآلف ومحبة.. وهم على هذا العهد باقون - ان شاء الله -.. ولكن التطورات المتسارعة التي شهدها العالم.. والانفتاح الاعلامي والثقافي والاقتصادي الذي شهدته المملكة مؤخراً عزز من حضور بعض المظاهر السلبية في المجتمع السعودي - وهو أمر طبيعي أن يكون هناك بعض السلبيات مقابل أي تطور وتحديث في المجتمع -، حيث برزت في الآونة الأخيرة مظاهر الاحتفاء والتفاخر بالقبيلة، من خلال القنوات الفضائية ومواقع الانترنت ورسائل (SMS) ورسائل الجوال، الى جانب تنظيم المهرجانات والاحتفالات الخاصة بكل قبيلة، ومن ذلك مهرجان مزاين الإبل للقبائل، ومجالس الشعراء وغيرهم..
وعلى الرغم من مشروعية هذا الانتماء والافتخار بالقبيلة كوحدة اجتماعية متماسكة تعبر عن نموذج متجانس من العادات والتقاليد والأعراف لمجتمع ما، إلا أن هذا الانتماء والتفاخر قد تجاوز في كثير من المواقف الاتصالية المباشرة وغير المباشرة دائرة الزهو بالذات، الى التعصب البغيض، والانتقاص من الآخرين، والنظرة اليهم بشكل دوني لا يليق.. وهو ما يفسر على أنه تهديد جوهري لوحدتنا الوطنية التي نفخر ونفاخر بها على الدوام وهو ما يشعر معه البعض بالتخوف والقلق، وما سيكون عليه الحال في المستقبل من تزايد ملحوظ لمظاهر التعصب القبلي في المجتمع السعودي وآثار ذلك أمنياً واجتماعياً وسياسياً على المجتمع.. إلى جانب تخوف البعض من تحول هذا التعصب الى ممارسات سلوكية تشعل فتيل أزمة قد تجر معها اختلافات وخلافات الوطن في غنى عنها.. إن المتابع لما تبثه القنوات الفضائية لاسيما الترفيهية منها - من رسائل (SMS) الى جانب ما تنشره مواقع ومنتديات الانترنت من تعصب فاضح للقبيلة والقبلية يدرك تماماً أن هذا الأسلوب أصبح اليوم ظاهراً للعيان وبأساليب ووسائل مختلفة، وجميعها تعبر عن "حالة تنفيس" قاسية بين أبناء الوطن.. ليبقى السؤال الأهم: لماذا يثار التعصب القبلي في المجتمع السعودي الآن؟ ولمصلحة من؟ وماذا سيحقق لمستقبل الوطن؟

ابن سعران
01-10-2007, 06:59 PM
إن كثيرا من الممارسات الاجتماعية التي تحدث في المجتمع الآن قد تجاوزت هذا السؤال رغم أهميته، وأصبح الحديث اليوم عن مظاهر جديدة تعمق جذور هذا التعصب دون محاولة لتقليم هذه الجذور التي خرجت عن دائرة المألوف ومن هذه المظاهر مهرجانات مزايين ابل القبائل، ومنبر "الشعر القبلي" الذي تروج له اليوم بعض القنوات الفضائية مثل "برنامج شاعر المليون"، كذلك رسائل الجوال التي تنقل بالصوت والصورة كثيرا من المواقف والقصص المرئية لحالة من "الهيجان القبلي" ضد الآخرين.. ومحاولة تقزيمهم وتكميم أفواههم..

لقد راهن كثير من المتابعين للمجتمع السعودي قبل عدة عقود ان مظاهر التعصب القبلي ستختفي مع تقدم المجتمع مادياً وفكرياً، ولكن الحقيقة اليوم انه مع تزايد فرص التعليم على جميع المستويات تزايدت هذه الظاهرة بشكل كبير، لاسيما لدى فئة الشباب الذي كان الجميع يتوقع أن تذوب لديهم كل العنصريات القبلية، ولكن ما نشاهده اليوم هو عكس ذلك تماماً.. "الرياض" تتناول في ثلاث حلقات متتالية "التعصب القبلي في المجتمع السعودي وآثاره السلبية على وحدتنا الوطنية" من خلال الالتقاء ببعض المختصين والمهتمين بهذه الظاهرة المتنامية، بهدف توعية افراد المجتمع من مخاطرها الاجتماعية والأمنية والسياسية على وحدتنا الوطنية التي تحققت بكفاح الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - ورجاله الأوفياء، مع التأكيد على ان اثارة هذا الموضوع لا يلغي احدا ولا يقلل من شأن أحد من ابناء القبائل المخلصين لدينهم ووطنهم وقيادتهم ، حيث نقدم في الحلقة الأولى وصفاً لظاهرة التعصب القبلي في المجتمع السعودي وأبرز مظاهرها وأسبابها وآثارها السلبية على المجتمع.. فيما نستكمل في الحلقة الثانية هذه المظاهر القبلية، فيما نتحدث في الحلقة الثالثة عن مزاين ابل القبائل والمواقف المتباينة منها مع تقديم التوصيات الخاصة للحد من آثار التعصب القبلي في المجتمع.







الآثار السلبية للتفاخر القبلي

في بداية الحلقة الثانية من موضوع "التعصب القبلي في المجتمع السعودي" يستكمل الأستاذ الدكتور عبدالرحمن العسيري حديثه عن الآثار السلبية للتعصب القبلي، فقال: إن مهرجانات مزاين الابل وما تبعها من ظواهر مصاحبة قد تهدد وحدتنا الوطنية التي نعتز بها وقد تمزق جسد الأمة وتشقق ثيابها، والقبلية والعنصرية لا تبشر بالخير على كافة الأصعدة، وفيما يلي الآثار السلبية المحتملة للعصبية القبلية، وهي:

1- على الصعيد الاجتماعي سوف تؤدي مثل تلك المهرجانات إلى التقوقع على الذات واكتفاء ابناء كل قبيلة بأبناء جلدتهم، والنظر إلى الآخرين من القبائل الأخرى نظرة دونية، مما يجعل الصداقات بين الشباب وطلاب المدارس تتخذ بعداً إقليمياً أو عرقياً.

2- اما على الصعيد السياسي فالأمر أكثر خطورة، حيث تركز تلك المهرجانات الولاء لمشايخ القبائل، مما يضعف ولاءهم للوطن والدولة، ويصبح الانتماء للقبيلة والعشيرة ومشايخها أقوى من الانتماء للوطن الأكبر، فظهور وابراز الزعامات القبلية أمر في غاية الخطورة، حيث ان معظم تلك المهرجانات تكون برعاية بعض وجهاء القبيلة ومشايخها وهذا الأمر في غاية الخطورة السياسية والأمنية.

3- وعلى الصعيد الأمني ستظهر آثار ذلك فيما يلي:

أ- مناصرة أبناء القبيلة لبعضهم والتستر عليهم أمنياً في الكثير من القضايا الأمنية أمر في غاية الخطورة إذا ما تم اهماله وأخذه في الحسبان عند النظر إلى هذه المشكلة التي لا زالت في بدايتها والتي يجب وأدها في المهد قبل أن تشب عن الطوق.

ب - احتمالية الانفلات الأمني وظهور الكثير من حوادث الاعتداء على المال والبدن من قتل أو ضرب، كما حدث في الشهر الماضي من قتل أربعة من الشباب من احدى القبائل لشاب من قبيلة أخرى بسبب قصيدة شعرية تعرض فيها لقبيلتهم.. ومثل تلك الحادثة سوف تتكرر مرات ومرات ما لم يتم احتواء الأمر ووأد الفتنة في مهدها.

4- أما على الصعيد الاقتصادي فإن مثل تلك المهرجانات ليست إلا هدراً للمال والاقتصاد العام، حيث تصرف ملايين الريالات في تلك الاحتفالات، فتذبح مئات الرؤوس من الغنم، وتقام الولائم الضخمة التي لا يستفاد منها ولا تصل بواقيها إلى الفقراء أو الجمعيات الخيرية، وإنما في الغالب يوضع في حفرة كبيرة وتردم، وهذا في حد ذاته اهدار للنعمة في حين ان هناك آلاف الفقراء من أبناء القبيلة ذاتها لا يجدون قوت يومهم، ناهيك ان عدداً ممن يتبرعون هم من "المفلسين" يستدينون أموال التبرع لمهرجان القبيلة مما يجعل ذلك هدراً للمال العام والخاص.

كما ان المبالغ المالية الضخمة التي تصل إلى عشرات الملايين لأثمان الإبل التي لا تتجاوز قيمها الحقيقية بضع مئات، أو لا تساوي أي شيء كما هو الحال في استراليا التي تدفع الأموال لإبادة قطعان الإبل التي أصبحت تهدد اقتصادها وأمنها الزراعي، ربما يمكن استغلالها لتكون قنوات لغسيل الأموال.

تعصب القوى المتنفذة

كما تحدث الاستاذ الدكتورسليمان بن عبدالله العقيل عميد كلية الآداب بجامعة الملك سعود واستاذ علم الاجتماع المتخصص في التغير الاجتماعي فقال لقد اثبتت الدراسات العلمية والتجارب الميدانية ان تواؤم أفراد أي مجتمع مع المستجدات والتطورات التي تلحق بهم هو امر صعب، ولذلك نجد هؤلاء الافراد يتفاوتون في مقاومة هذا التغير، ومن ذلك الهجوم عليه بعنف من خلال طرح خطابات دينية متطرفة، او من خلال الانسحاب الى الماضي وتصوره بأنه نموذج يحتذى به وحتى يكون هذا النموذج كذلك يستخدم معه وسائل دعائية لاقناع الافراد بأن التمسك بالماضي هو الانسب لهذه المرحلة ثم تستمر المرحلة الدعائية حتى تصل الى مرحلة التعصب ليكون الانسان معها داخل فكرة مقفلة غير قابلة للتطور والنقاش، وحينها يبقى الانسان اسيراً ثم مدافعاً عنها بقوة لأنه باختصار (هو هي وهي هو) ثم ان اي تهديد لهذه الفكرة في تقديره تعني الغاءه سواء كان ذلك فرداً او جماعة او مجتمع.





وأضاف من هنا نستطيع قراءة المستجدات الحديثة في مجتمعنا المرتبطة بفكرة التعصب سواء للقبيلة او المنطقة او لبعض المظاهر الاجتماعية الاخرى بانها متفاوتة بين جماعة واخرى وافراد وآخرين، فالبعض من افراد مجتمعنا يرى في فكرة القبلية والتمسك بها والاستمرار في طرحها وتقديمها في كل مناسبة او موقف بأنها تدعم مصالح بعض القوى المتنفذة في المجتمع وهي عبارة عن وقود وغذاء لاستمرار قوتهم وتواجدهم فيما يرى آخرون ان مظاهر التفاخر بالقبيلة لايعدو ان يكون نوعاً من الزهو بالذات وحباً للتراث والانتماء اليه وبالتالي هي نوع من الترفيه عن النفس وربط الناس بماضيهم حتى لايذوبوا في مدخلات ثقافية تفقدهم قيمهم وعاداتهم التي ورثوها من آبائهم واجدادهم مشيراً الى ان هذا الطرح هو طرح متوازن وعقلاني بشرط ألا تظهر فيه المغالاة وألا يدعم دعماً ظاهراً يوحي بأنه مطلوب!

وأشار الى ان هناك وجهة نظر ثالثة ترى ان المجتمع السعودي دخل مرحلة التنمية المتوازنة في جميع المناطق واصبح جزءاً من العالم يؤثر ويتأثر به وبالتالي ليس هناك مجال لا في الزمان ولا المكان لاثارة القبيلة والتفاخر بها وانما البديل هوالتعايش السلمي القائم على مبدأ الاحترام والاخوة المتبادلة بين افراد المجتمع وتعميق مبادئ التكافل والتعاضد والتعاون على الخير بين الجميع الى جانب التأكيد على ان هناك ما هو أهم من التفاخر بالقبيلة او القبلية عموماً وهو تحمل مسؤولياتنا الوطنية كمواطنين في الحفاظ على أمن ووحدة الوطن من اي مهددات داخلية وخارجية وصد اي محاولات قد تسيء الى وطننا وقيادتنا الرشيدة.

وقال: ان فكرة التعصب القبلي يجب ان تحارب في المجتمع بكافة الوسائل والاساليب فلا مكان للتعصب القبلي في مجتمع يسعى الى التطور والرقي والامن والاستقرار والتنمية والتحديث.. ولا مكان للتعصب القبلي في مجتمع هو في نظر العالم اليوم انه مجتمع انساني وحضاري ومجتمع يقوم على اسس الإسلام والدعوة اليه.

واضاف: من هنا فالقبلية ليست سوى انتماء وهوية فرعية محدودة ضمن مجموعة من الهويات الثقافية الفرعية في المجتمع وهذه هي حال كل المجتمعات الانسانية حيث ان كل مجتمع يحوي رصيداً كبيراً من الثقافات الفرعية مشيراً الى انه كلما تعددت الثقافات الفرعية في المجتمع كان ذلك اظهر للتمايز والقوة والقدرة على التعبير.

المخزون القبلي اكثر رسوخاً من المجتمع والوطن

كما تحدث الدكتور عبدالله بن ناصر الحمود استاذ الاعلام المشارك ونائب رئيس جمعية الاعلام والاتصال، عن البعدين الثقافي والاعلامي لموضوع "القبلية" فقال يشير استقراء التجارب الانسانية على مر التاريخ للعيش بأمن وسلام الى سعي المجتمعات البشرية للتكتلات الكبرى تحت أي عامل من عوامل الوحدة والقوة والمنعة.

واضاف ان الملاحظ ان اواصر القربى كانت من اوائل العوامل التي اتحد حولها البشر ومن هنا يمكن القول ان القبيلة هي الاطار العام الذي كان يجمع الناس حول بعضهم البعض في مقابل قبائل اخرى تجتمع هي ايضاً وفق اواصر الرحم والقربى وهكذا ولكن مع تطور المجتمعات الانسانية بدأت عوامل ومتغيرات جديدة تظهر على الساحة الاجتماعية والثقافية وتؤثر تأثيراً حاسماً في طبيعة العلاقة بين الناس والمهم في الامر ان ثمة قاسم مشترك بين الحالين وهو "المصلحة" فالقبيلة حين كانت محور التجمع البشري كانت تحمي مصالحها بكل الوسائل اما الآن فالناس يجتمعون في تكتلات اخرى وتجمعهم المصلحة ايضاً.

وأشار الى انه يمكن النظر الى "الدولة" او "الوطن" او "المجتمع" باعتبارها تعبر عن وحدة التجمع البشري المعاصر القائم على المصلحة المشتركة بين من يشتركون في "الوطن" بجغرافيته، وثقافته، وحدوده السياسية، وسماته وخصائصه الدينية، او اللغوية، او نحو ذلك ومن البدهي انه ما دام الناس قد اجتمعوا على مصلحة "وطنية" فأنهم لن يرضوا بما يهدد مصالحهم تلك، ومما يهدد المصالح الجديدة للناس العودة لأنماط العيش القديمة ومنها سيادة أو هيمنة "القبلية" في زمن لم تعد فيه "القبيلة" تحقق المصالح المشتركة على مستوى "الدولة" أو "الوطن" أو "المجتمع الحديث".

ومن هنا أصبح من الأمور البدهية أن يقف المجتمع بمؤسساته وأفراده لحماية كيانه من أي من المهددات لتلك "الوحدة الوطنية" أو "المشترك الوطني".

وقال: إذاً، كل الفعاليات الثقافية والاجتماعية التي تهدد وحدة المجتمع تعد أموراً محظورة، وتخيف المجموع الوطني وتهدد مصالحه فإن إثارة النعرات القبلية، في المجتمع الحديث تعد سلوكاً غير مقبول.

وأضاف ولكن ثمة مشكل هنا، وهو المقصود "بالنعرات القبلية" وب "ميثراتها"، وأعتقد أن المجتمعات العربية المعاصرة بشكل خاص (وهي ذات انتماءات قبلية مهمة) ليس لديها رؤية واضحة لما تعنيه إثارة النعرات القبلية من جانب، ولا المقصود بالنعرات القبلية من جانب آخر، إذ يجب التفريق بين الانتماء القبلي في إطار المجموع الوطني المعاصر وبين أن يكون ذات الانتماء معول هدم لذات المجموع، داعياً إلى قيام مؤسساتنا الرسمية والأهلية بدور حاسم في هذا الإطار، عبر التقنين الجيد لما نريد وما يهدد إرادتنا ووحدتنا.

البعد الإعلامي لإثارة القبلية





وعن البعد الإعلامي لإثارة القبلية أكد الدكتور الحمود على أن علماء الإعلام والاتصال الانساني لا يختلفون حول حقيقة التأثير الثقافي والاجتماعي لوسائل الإعلام والاتصال على اتجاهات الناس وسلوكياتهم، على الرغم من اتفاقهم حول صعوبة قياس ذلك التأثير الناتج عن التعرض للمضامين الإعلامية والاتصالية.

وقال: من هنا، يمكن الإقرار بأن كل ما يهدد مصلحة "المجموع الوطني" يعد أمراً خطيراً ينبغي مواجهته وترشيده، وإذا كان الصالح الوطني في الحفاظ على القواسم المشتركة بين أبناء الوطن الواحد، فأن قيام وإنشاء وسائل إعلام تخدش تلك القواسم، وتسعى لإضعافها في مقابل بناء أطر أخرى تستند إلى المفهوم التقليدي للمجتمع الإنساني، وتقوم على الأبعاد القبلية يعد أمراً خطيراً جداً.

وأضاف أنه سواء كانت وسائل الاتصال من الوسائل الحديثة كالفضائيات أو المواقع الالكترونية، أو كان نشاطاً تقليدياً كالمراهنات والمهرجانات ونحوها مما يقوم على أسس قبلية أو عرقية لا تجمعها المصلحة الوطنية الكلية، فإن النواتج ستكون تهديد محتمل للوحدة الوطنية.

وأشار إلى أن قراءة أشكال ومضامين عدد من وسائل الإعلام ذات النزعة القبلية تؤكد أن الإطار "المصلحي" لتلك المشروعات يقوم على ذات الإطار الذي تشكلت فيه القبلية في زمن مضى، وإذا كان العداء بين القبائل يقوم عندما يتم تهديد مصالحها الذاتية، فإن منافذ الإعلام المشابهة تقود الشيء ذاته.

وقال الدكتور الحمود إنني أعتقد أن ضعف الخبرات العربية بشكل عام في حماية ورعاية "الصالح الوطني الكلي" وراء ظهور بعض السلوكيات المهددة لذلك الصالح، ربما بحسن نية، ولكن بالتأكيد هو استناد للمخزون الأكثر ترسخاً في أعماق "العربي" وهو المخزون القبلي في مقابل "فكرة" المجتمع أو "الوطن" التي قد لا تكون بذات الرسوخ والعمق في الذات العربية.

الفزعة القبلية بين الطلاب

ومن جانب آخر شهدت بعض المدارس في التعليم العام تزايداً ملحوظاً للنعرات القبلية بين الطلاب، حيث امتدت هذه المواقف من الكتابة على طاولات الدراسة وجدران المدرسة وتبادل الألفاظ داخل الفصل لتصل إلى حد الاشتباكات بالأيدي بين بعض الطلاب خارج أسوار المدرسة، مستخدمين في ذلك بعض الآلات الحادة والعصي، لتتحول هذه الألفاظ والنعرات القبلية إلى قضايا جنائية بين عدد من الشباب المراهقين الذين لم يعوا خطورة ما أقدموا عليه، ولم ينههم أحد عن سوء هذا العمل.

وفي هذا الخصوص يقول الأستاذ محمد بن عبدالله الجضعي المرشد الطلابي بمتوسطة عمورية بحي العريجا - غرب مدينة الرياض -، ان ظاهرة إثارة النعرات القبلية بين الطلاب موجودة، ولا يمكن انكارها ولكنها تختلف من مرحلة دراسية وأخرى، ومن مدرسة لأخرى بحسب طبيعة التنشئة الاجتماعية للطلاب وسكان الحي الذي يقطنونه.

وأضاف: ان النعرات القبلية بين الطلاب تتركز غالباً في الافتخار بالقبيلة التي ينتسب إليها الطالب، والانتقاص من قيمة القبيلة أو القبائل الأخرى، وهو مما يثير حفيظة البعض، ليبدأ تبادل الألفاظ وتنتهي ب "المضاربات" خارج سور المدرسة.

وأشار إلى ان الاشتباك لا يقف بين طالب وآخر، وإنما يمتد بسبب "الفزعة" ليشمل عدداً من الطلاب الذين ينتسبون لكل قبيلة.

وقال: قبل عدة أيام حضر إليّ ولي أمر أحد الطلاب ليسأل عن ابنه ومستواه الدراسي، وأخبرته انه ابنه جيد دراسياً، ولكن مشكلته أن لديه نزعة قبلية مفرطة تجعله يقبل في كل وقت "نداء الفزعة" من أبناء عمومته وقبيلته الموجودين في المدرسة، وذلك عند الاشتباك مع أي طرف خارج المدرسة، مشيراً إلى أن والد الطالب رد عليه قائلاً: ما ذكرته صحيح، وهذا ما أعانيه من ابني، حيث حصل له حادثان بسبب "الفزعة القبلية" الأولى كسر في اليد، والأخرى في القدم، وأنا أخشى عليه من عواقب هذا النوع من الفزعات في المرات المقبلة.

وأضاف الجضعي من هنا يتضح خطورة ترسيخ المفاهيم الخاطئة حول القبيلة والقبلية في المجتمع، مؤكداً على ان لكل انسان الحق في ان يعتز بقبيلته، ولكن لا تصل إلى حد الانتقاص من الآخرين، أو التفاخر عليهم، أو الاساءة إلى أحد سواء باللفظ أو الاعتداء الجسدي، مشيراً إلى ان الدين الاسلامي نهى عن العصبية القبلية، فالرسول صلى الله عليه وسلم حذر من ذلك، وقال "دعوها فانها ممتنة".

وأشار إلى أن واجبنا في الارشاد والتوجيه داخل المدرسة ان نوعي الطلاب من خطورة العصبية القبلية، كما نستدعي أحياناً لبعض منهم ممن لديه نزعة قبلية مفرطة ونتناقش معهم، ونبين لهم خطورة ذلك عليهم شخصياً وان العصبية للقبيلة هو في الواقع يسيء إلى القبيلة التي ينتسب إليها الطلاب، كما يسيء إلى الوطن الكبير الذي نحتمي في ظله جميعاً كمواطنين نفخر بوحدتنا.. وتكاتفنا.. وتعاوننا على البر والتقوى.. وكل ما يخدم مجتمعنا في حاضره ومستقبله.

يتبع....................................... غدآ أن شاء الله

عبدالمطلوب مبارك البدراني
02-10-2007, 01:33 AM
الاخ ابن سعران

يعطيك العافية على الموضوع

جميل جدا ان يفتخر الإنسان بقبيلته ويعتز بإنتمائه لها وهذه سمة من سمات العرب من اقدم العصور الى يومنا هذا0

ولكن انتشار العصبيه التي نهى عنها الإسلام وهي احتقار الناس بسبب انتمائهم القبلي وتصنيفهم التصنيف الممقوت والتعالي

والترفع عليهم فهذا هو الخطير في التعصب القبلي وقد حذرنا رسول هذه الامة من الحمية الجاهلية حيث قال ( دعوها انها منتنة )

صدق الرسول صلى ىالله عليه وسلم

ولك التحية والاحترام

ابن سعران
02-10-2007, 04:16 PM
"الرياض" تطرح مشكلة التعصب القبلي وتأثيرها على وحدتنا الإجتماعية ( 3/3)
"جيل الألفية" أشد من سابقيهم في تعميق "جذور القبلية" في الانترنت والفضائيات




تحقيق - أحمد الجميعة
في بداية الحلقة الثالثة من موضوع "التعصب القبلي في المجتمع السعودي" قدم الأستاذ صالح بن زيد العنزي المتخصص في الكتابة للمواقع الالكترونية ملخصاً للنقاشات التي تناولت فكرة مزاين إبل القبائل وأثرها في تنامي ظاهرة التعصب القبلي في المجتمع، باستخدام أدوات الملاحظة والمقابلة وتحليل بعض المضامين المنشورة في مواقع الانترنت عن "مزاين الإبل" فقال: يشهد التحول الاجتماعي في الداخل السعودي عدداً من المتغيرات، ومن أبرزها إعادة التأكيد على ترسيخ بعض القيم الثقافية التي عاشها أجدادنا في نفوس الناشئة، وتعد هذه الخطوة من العوامل المهمة في توحيد عناصر اجتماعية في ثقافة واحدة تدعم اللحمة الوطنية، ولكن هناك ثغرات تتخلل هذا المشروع الوطني، يتمثل أبرزها بوجود ثقافات متعددة في وطن واحد يمكن احياؤها على هامش الجهود الوطنية لردم الهوة بين تباعد العادات الاجتماعية.
كما يكمن الخطر أيضاً في اتفاق أبناء الوطن حول قيمة اجتماعية واحدة، خاصة في ظل وجود شرارة المنافسة، فكل قبيلة تحاول إبراز هذه القيمة بطريقة مختلفة عن أبناء القبيلة الأخرى، فلو كان هناك اختلاف في العادات كان ذلك أهون من اتفاقها.

وأضاف: ومن أبرز العادات الشعبية الحفاظ على الإبل وتقديم الدعم المادي والمعنوي للقائمين عليها من أجل إعادة صياغة الموروث الشعبي السائد في فترة مضت في المملكة، فجاءت مبادرة صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالعزيز في إحياء ما يعرف بمزاين الإبل بهدف جمع أبناء الوطن من أصحاب الإبل تحت مظلة واحدة وهي جائزة الملك عبدالعزيز لمزاين الإبل.

وأشار إلى أنه رغم نجاح هذه التجربة، إلا أن اتفاق أبناء القبائل السعودية في تملكها لهذه القيمة ساعد في وجود روح المنافسة بين القبائل والتفاخر في مخزونها الشعبي أمام القبائل الأخرى، وذلك في مهرجانات فردية لكل قبيلة على حدة، حتى ظهر أشخاص ينادون بسرعة اللحاق بركب العودة إلى الماضي قبل أن يتجاوزهم الآخرون في تأخرهم.

وقال إن الثغرة التي جاء بها مشروع مزاين الإبل تكمن في اتفاق كثير - إن لم يكن كل - العناصر القبلية في هذه القيمة الشعبية، ولم تتوقف تداعيات هذا التغير عند إقامة مهرجانات لعرض موروثها الشعبي بل تجاوز ذلك إلى البذخ في التنظيم وتقديم الجوائز ومراسيم الاحتفالات فضلاً عن النعرات القبلية، حتى أن أسعار تلك الإبل وصلت إلى أرقام فلكية لم يقصد منها إلا التفاخر بما عند القبيلة من ثقل ووجاهة قد تفتقدها القبيلة الأخرى، فهناك رجل من إحدى القبائل يملك إبل مزاين لونها "وضح" تعتبر من الدرجة الأولى - كما يصفها أصحابها - الفحل فيها يسام بثلاثة ملايين ريال، كما أن عدد إبله حوالي 90بعيراً وقيمتها تتراوح من مليون إلى مائة ألف للبعير الواحد، وهذه الأرقام لا تعلن إلا لأغراض إعلامية تهدف إلى التفاخر بما تملكه تلك القبيلة، أكثر من كونها مجرد حقائق.

وقال: ولم تقف تلك المظاهر الاجتماعية عند هذا الحد بل تجاوز ذلك إلى الفعاليات المصاحبة لهذه المهرجانات، من خلال النشاط الثقافي المتمثل بالقصائد الشعرية التي تحمل في مضامينها المساس بقبائل أخرى، فأصبح التباهي والغطرسة والنزعة القبلية تطغى على كثير من المهرجانات الخاصة بمزاين الإبل الفردية، مشيراً إلى أن هناك بعض التجاوزات الشرعية المصاحبة لمثل هذه المهرجانات مثل الإسراف في إقامتها والمبالغة في أسعارها "الإبل"، كما أن التفاخر في الإنسان أمر طبيعي في مثل هذه المناسبات حتى نشأت النعرات القبلية التي أدت في بعض الأحيان إلى ما لا تحمد عقباه من قضايا القتل، والسبب هو بعض القصائد الشعرية التي تتجاوز مضامينها إلى ما وراء النص، وهذا ما شاهدناه في بعض قضايا الدم في العام الماضي.

إن الانفتاح الكبير الذي نشهده في القنوات الفضائية أسهمت وبشكل كبير في تدعيم مثل هذه التوجهات القبلية، فلو أجريت مسحاً لقمر (النايلسات) تجد ثلاث قنوات على الأقل تبث على مدار 24ساعة شغلها الشاغل صور الجمال والمزاين، بالإضافة إلى أن القائمين على هذا المهرجان يجبرون الشعراء المشاركين في الأمسيات الشعرية المصاحبة إلى تخصيص قصائد في مدح القبيلة، وذكر مآثرها وبطولاتهم

وأشار إلى أن هناك جهوداً كبيرة لإحياء التراث بطريقة إتاحة الفرصة أمام جميع شرائح المجتمع للمشاركة الشعبية دون تعصب أو تفاخر لجنس أو لون أو مذهب، مثل مهرجان الجنادرية، ومهرجان مزاين الإبل في أم رقيبة، ونحوها، مؤكداً على أن مزاين الإبل تحولت من مجرد مناسبة ثقافية إلى منافسة قبلية!! فأصبحت كل قبيلة ترغب في إثبات وجودها بمهرجان أكبر من الآخر.. وهذه هي الحقيقة.


القبلية على حساب الوطنية

إلى ذلك تحدث الأستاذ الدكتور عبدالرحمن الزنيدي أستاذ الثقافة الإسلامية، وقال: إن وجود مهرجانات احتفالية يجتمع فيها الناس، وتتاح فيها فرصة الالتقاء بين ذوي هم واحد، أو صنعة معينة، وتتم فيها منافع ولو يسيرة (بيع وشراء، تعارف، سمر نظيف.. إلخ) وجود هذه المهرجانات أعتقد أنه مطلب اجتماعي - فطري في الأساس - ومطلب واقعي، بمعنى أن الحياة تقتضيه في ظل دوامة حياة لا تتيح لأصحابها فرصاً للمتعة إلا مثل هذه المهرجانات الجامعة، مؤكداً على أن المهم في مثل هذه المهرجانات التي هي أشبه بمعارض فنية أنها تحتاج ضبطاً وتحديداً إلى تخطيط يضمن لها تحقيق أهدافها الإيجابية وينفي عنها السلبيات الواقعة والمحتملة.

وأضاف: إن المشكلة لدينا أن كثيراً من المشروعات - ومنها هذه المهرجانات - تبدأ عفوية ساذجة من قبل أفراد أو مجموعات بصورة بسيطة، ثم لا تلبث أن تتطور إلى مستويات تفلت بها من أيدي منشئيها.

وأشار إلى أن المجتمع السعودي لم يعد هو ذلك المجتمع الساذج المفرط في أميته الثقافية لدرجة أنه يستحسن كل ما صور له أنه حسن، ويستهجن ما يشوه إعلامياً لديه، ومن ثم يقاد فينقاد، ويوقف فيقف.

وقال: إن التطور الفكري، والترقي المدني، والمعايشة الحية للعالم وتطوراته عبر الأسفار والإعلام وشبكات الاتصال كل ذلك أوجد شريحة هي الأغلب الآن لديها تطلعات فكرية وحضارية، وتملك آفاقاً رحبة من القدرة على تقويم الأشياء، وهمم تحفز نحو المشاركة الفاعلة.

وأضاف: كل هذا يجعل هذا الصنف ساعياً لاستغلال أي نافذة تفتح في المجال الثقافي والاجتماعي لإبراز قدراته المادية أو الثقافية، ولتحويل هذه النوافذ - المهرجانات مثلاً - نحو تحقيق مصالح يراها شرعية، وهنا تحديداً قد يكون هذا الاستثمار إيجابياً وقد يكون سلبياً أو يسيء المستثمر من خلالها من حيث لا يقصد، ومن ثم فالذي أتصور أن مثل هذه المشاريع ينبغي إذا اتجه إليها من قبل شخص أو مجموعات أن تبنى على دراسات وحسابات للمصالح والمفاسد، وتقدير للظروف الزمانية والمكانية ورسم للأهداف والوسائل، ووضع ضمانات التطبيق السليم لها.

وأشار إلى أن المهرجانات القبلية لمزاين الإبل والتي أثارت لغطاً إعلامياً حول النعرات القبلية وبعض المشكلات الأخرى، فأنها ابتداء هي نوع من استثمار المهرجان في الأصل لمزاين وليس لشيء آخر.

وقال الدكتور الزنيدي إن الروح القبلية لم تمت حتى يقال إحياء النعرات القبلية، فالروح القبلية قائمة وما زالت فاعلة، وجاءت مثل هذه المهرجانات (المزاين) والشعر الفضائي لتعميقها أكثر.

وأضاف: المشكلة الكبرى إن تفعيل هذه الروح القبلية يتجه للأسف نحو الجانب السلبي الذي يكون غالباً على حساب الوطنية، مشيراً إلى أن المنطلق السليم - في تصوري - ليس تغطية الروح القبلية وتوهم تلاشيها، خاصة في ظل تربية وطنية لم تحقق أثرها المطموح إليه.

وأشار إلى أن المنطق يتطلب توظيف هذه الروح القبلية في مجالات إيجابية تصب في مصلحة الوطنية، ترى أين دور القبيلة، وتحتها العشائر في حفظ أبنائها من الإرهاب ومسؤوليتها عنهم أمام الدولة، لو كان هذا الدور مرعياً ومحسوباً على مستوى الوطن فيما سبق، أيكون مثل هذا الخروج من هؤلاء الأبناء على قبائلهم وعشائرهم؟


الشعر منبر التعصب

إلى ذلك يعد الشعر واحداً من القنوات الاتصالية التي عززت من حضور العصبية القبلية في المجتمع، حيث ساهم بعض الشعراء في مناسبات كثيرة وبوسائل متعددة في إثارة النعرات العصبية بين القبائل، بهدف تعزيز حضور ذاتي لقبيلة ما على حساب قبائل أخرى، مما ينعكس سلباً على وحدة وأمن الوطن.

وقد شهدت بعض المناسبات الخاصة لأفراد القبائل ما يعرف بفن المحاورة الشعرية التي كانت في كثير من الاوقات الشرارة التي تشعل فتيل النعرات القبلية في المجتمع، الى جانب بعض المهرجانات الشعية مثل مزاين الابل وغيرها، كذلك مواقع الانترنت، والقنوات الفضائية المتخصصة في الشعر، ورسائل الجوال، ورسائل (sms) التي تبث على بعض القنوات الترفيهية.. حيث اصبحت هذه الوسائل تغذي بشكل مباشر وغير مباشر العصبية القبلية بين افراد المجتمع السعودي، لاهداف مشبوهة لا تخدم وحدة وتماسك هذا الوطن.

وفي هذا الخصوص يؤكد الشاعر سالم بن عبدالله الجهبل العنزي على ان الشعر يعد رافداً من روافد اثارة العصبية القبلية في المجتمع، مستدركاً حديثه بقوله: "ولكن يجب ان لا نعمم على جميع الشعراء بأنهم يسلكون هذا الطريق، وانما هو موجود لدى فئة من الشعراء ممن لا يملكون ثقافة الشعر".

واضاف: ان أغراض الشعر من المدح والرثاء والغزل وغيرها يجب ان تسخر لخدمة الشعر والارتقاء به، ولا تكون سبباً للفرقة والنزاعات القبلية.

واشار الى ان بعض الشعراء مازالوا في دائرة القبيلة الضيقة ولم يخرجوا الى فضاء الوطن الكبير ليشيدوا بمنجزاته، ويقفوا ضد كل محاورات الافساد التي تمارسها الفئة الضالة ضد أمن الوطن.

وقال: مرة أخرى يجب ان لا نعمم على الشعر او الشعراء بأنهم يثيرون العصبية القبلية، ولكن في الوقت نفسه لا نقلل من كون الشعر احد الاسباب الرئيسة في اثارة النعرات القبلية في مجتمعنا، ولا نقلل ايضاً من بعض النزعات والدوافع لدى بعض الشعراء الذين لا يجدون في الشعر سوى مدح القبيلة والانتقاص من القبائل الأخرى او بقية افراد المجتمع

محمد بن جعيثن
03-10-2007, 06:44 PM
الاخ ابن سعران
علما انني مقتنع فى كثيرا من الطرح والنقاط التي وردت فى هذا التحقيق
الا انني لا اري الضرر الكبير الذى سيحدثه الانتماء ا والتعصب
اذا كان الانسان تحكمه الايات والاحاديث ويعرف حدود الله فليس هناك ضرر
اما
اذا كان التعصب الجاهلي بدون قيود فهنا تكمن المشكله
دائما يقال الولاء للنفس ثم العائله ثم الاقربون والقبيله والوطن
واعتقد انه تسلسل قريب من المنطق


لك خالص الود