عرض مشاركة واحدة
قديم 22-11-2007, 03:06 PM   #1
معلومات العضو
تركي الزايد
مرااقب عام مشرف الدواووين الادبيه

الصورة الرمزية تركي الزايد
إحصائية العضو







آخر مواضيعي
افتراضي تتبع رخص الفقهاء

الحمدُ لله رب العالمين والصلاةُ والسلامُ على خاتم الأنبياء والمرسلين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبدُه ورسولُه .. وبعدُ :


مقدّمة :

* فإنّ الشيطانَ لا يزالُ يسعى في إغواء العباد وإضلالِهم عن طريق الحقِّ بشتَّى الوسائل .

*ومن أبواب الشرِّ التي فتحها الشيطانُ على العباد بابُ تتبُّعِ رُخَصِ الفقهاء وزلاّتهم ، فخدعَ بذلك الكثيرين من جهلةِ المسلمين ، فانتُهكتِ المحرّماتُ وتُركتِ الواجباتُ تعلّقاً بقولِ أو رخصةٍ زائفةٍ ، فصار هؤلاءِ الجهلةُ يُحكِّمونَ أهواءَهُم في مسائل الخلافِ فيأخذون أهونَ الأقوالِ وأيَسَرَها على نفوسهم دون استنادٍ إلى دليلٍ شرعي بل تقليداً لزلّةِ عالمِ لو استبان له الدليلُ لرجع عن قوله بلا تردُّد ، فإذا ما أنكر عليهم أحدٌ تعلَّلوا بأنهم لم يأتوا بهذا من عند أنفسهم بل هناك مَن أفتى لهم بجوازِ ذلك ، وليسُوا بمسئولين ، فقد قلَّدوهُ والعهدةُ عليه إن أصابَ أو أخطأ ، بل أنهَّم يأخذونَ برخصةِ زيدٍ من الفقهاء في مسألةِ ما ، ويهجرون أقوالهُ الثقيلة في المسائل الأخرى ، فيعمدون إلى التلفيق بين المذاهب والترقيعِ بين الأقوال ، ويحسبُون أنهم يحسنون صُنعاً ، وأشاع الشيطانُ بين هؤلاء الناس مقولةً هي ( ضعها في رأس عالم واخرج منها سالماً ) ، فإذا نزلت بأحدهم نازلةٌ ذهب إلى بعض المتساهلين في الإفتاء ، فبحث له عن رخصةٍ قال بها رجلٌ فيفتيه بها مع مخالفتها للدليل وللحقِّ الذي يعتقده ، وما أكثر هؤلاء الناس من الصنفين ، عاميُّ يذهب إلى المتساهلين الذين يفتون بالرخُّص ومُفتٍ يُرضي الناسَ ولا يفتِ بالدليل .

* فما هي مفاسدُ وأضرارُ هذا المسلك ؟

وما هي الأدلَّةُ الشرعيَّةُ في بطلانه ؟

وما هي أقوالُ العلماء في ذلك ؟

مع بيان الموقف الصحيح من الاختلاف في المسائل ؟

وماذا يجبُ على المفتي ؟

وماذا يجبُ على المستفتي ؟

* ما المرادُ بالرخصةِ هنا ؟

المرادُ بالرخصة هنا : أهونُ أقوال العلماءِ في مسائل الخلافِ ، ولا يسندها دليلٌ صحيحٌ ، أو هي زلّةُ العالم المجتهدِ التي خالفها أمثالُه من الناس ، وهذا هو المعنى اللغوي للرخصةِ ، أما المعنى الشرعيُّ فهي : اسمٌ لما يُغيِّرُ من الأمر الأصلي لعارضٍ أو يسرٍ وتخفيف كقصرٍ الصلاةِ في السفر والاخطاء فيه ونحوها من الرخص الشرعية .

أمثلة من رخص الفقهاء

1- القولُ بجواز حلق اللحية .
2- القولُ بجواز القيمة في زكاة الفطر .
3- القولُ بجواز شرب المسكر إلا من العنب .
4- القولُ بأنه لا جمعة إلاّ في سبعةِ أمصار.
5- القولُ بتأخير العصر حتى يكون ظلُّ كلِّ شيءٍ أربعةُ أمثاله
6-القولُ بجواز الفرار يوم الزحف .
7-القولُ بجواز استماع الملاهي .
8-القول بالمتعةِ بالنساء .
9-القولُ بجواز الدرهم بالدرهمين يداً بيد .
10-القولُ بجواز إتيان النساء في أدبارهن .
11-القولُ بصحة عقد الزواج بدون وليِّ ومهر
12-القولُ بعدم اشتراط الشاهدين في عقد الزواج
مفاسدُ تتبُّعِ رخصِ الفقهاءِ
لقد ترتب على تتبُّعِ الرخص مفاسدُ كثيرةٌ ، منها ذهابُ هيبةِ الدين ، فأصبح لعبةً بأيدي الناسِ ، ومنهَا التهاونُ بحرمانِ الشرع وحدوده .

وقد ذكر الشاطبيُّ جملةً من هذه المفاسد فقال : كالانسلاخِ من الدين بترك اتبّاع الدليل إلى اتبّاع الخلاف . وكالاستهانة بالدين ، وكتركِ ما هو معلومٌ إلى ما ليس بمعلوم ، وكانحرامِ قانونِ السياسة الشرعية بتركِ الانضباط إلى أمرٍ معروفٍ ، فتجورُ القضاةُ في أحكامها ، فيُفتي القاضي لمن يحبُّ بالرخصةِ ولمن لا بالتشديد ، فتسودُ الفوضى والمظالمُ ، وكإفضائهِ إلى القول بتلفيقِ المذاهب على وجهٍ ويخرقُ الإجماع ، الموافقات 4/147-148 .

وقال الإمامُ ابنُ الجوزي ومن تلبيس إبليس على الفقهاء : مخالطتُهم الأمراء والسلاطين ومداهنتهُم ، وتركُ الإنكارِ عليهم مع القدرةِ على ذلك ، وربما رخصوا لهم فيما لا رخصة لهم فيه لينالوا من ديناهم عرضاً فيقع بذلك الفسادُ لثلاثة أوجه :
الأول : الأميرُ يقول : لولا أني على صواب لأنكر عليَّ الفقيهُ ، وكيف لا أكونُ مصيباً وهو يأكل من مالي .
الثاني : العاميُّ فإنه يقول : لا بأس بهذا الأمير ولا بماله ولا بأفعاله ، فإن فلاناً الفقيه لا يبرح عنده .
الثالث : الفقيهُ فإنه يُفسدُ دينَه بذلك ) تلبيس إبليس صـ121

*ومن آثار ومفاسد تتبع الرخص :

بحثُ بعض الفقهاء عن أقوالٍ ساقطة ليرفعوا الحرجَ عن كثيرٍ من الناس الذين وقعوا في بعض المنكرات كحلقِ اللحية مثلاً ، ومثالُ ذلك ما ذكره محمد حبيب الله الشنقيطي في كتابه فتح المنعم (1/179)في بحثه عن تجويزٍ لحلق اللحية حيثُ قال ( ولما عمَّت البلوى بحلقها في البلاد المشرقية بحثتُ غاية البحث عن أصلٍ أخرِّجُ عليه جواز حلقها حتى يكون لبعضِ الأفاضل مندوحةٌ عن ارتكاب المحرَّم باتفاق ، فأجريتُه على القاعدة الأصولية وهي : أن صيغة أفعل في قول الأكثيرين للوجوب وقيل : للندب )

* وقال العلامةُ السفّارينيُّ ت (1188هـ) بعد أن بين تحريم تتبع الرخص في التقليد : ( وفيه مفاسدُ كثيرةٌ وموبقاتٌ غزيرةٌ ، وهذا بابٌ لو فُتح لأفسد الشريعة الغرّاء ، ولأباح جُلَّ المحرَّمات ، وأيُّ بابٍ أفسدُ من بابٍ يبيحُ الزنا وشربَ الخمر وغير ذلك ) .

*شبهاتٌ والردُّ عليها :

أ) يحتجُّ متتبِّعُوا الرخصِ بكلامٍ حقٍ يرادُ به باطل وهو يقولون بأن الدينَ يُسرٌ والله يقول يريدُ اللهُ بكُمُ اليُسرَ ولا يريدُ بكم العُسرَ  البقرة 185 ، والرسول يقول " يسِّروا ولا تعُسِّروا " متفق عليه عن أنس خ 1/163 م 3/1359 ، فإذا أخذنا بأهون الأقوال كانَ فعلُنا فيه التيسيرُ ورفع الحرج .

فنقولُ لهم أن تطبيق الشريعة في كلِّ الحياة هو التيسيرُ ورفعُ الحرج ، وليس تحليل الحرام وترك الواجبات .

قال ابنُ حزم رحمه الله في الاحكام في أصول الأحكام صـ869 ( قد علمنا أن كلَّ ما ألزم اللهُ تعالى فهو يُسرٌ بقوله تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج  الحج (78) .

وقد ردَّ الإمامُ الشاطبيُّ على من احتج لهذه الدعوى بقوله صلي الله عليه وسلم " بُعثتُ بالحنيفية السمحة " حديث حسن ، قائلاً " وأنت تعلمُ ما في هذا الكلامِ ، لأن الحنيفيةَ السمحة إنما أتى السماحُ فيها مقيَّداً بما هو جارٍ على أصولها ، وليس تتبُّعُ الرخص ولا اختيارُ الأقوال بالتشهِّي بثابت ) ، يعني أن يسر الشريعة مقيدٌ بأصول محددةٍ وليس تتبُّع الرخص منها ، ثم يقول رحمه الله ( ثم نقولُ : تتبعُ الرخص ميلٌ مع أهواء النفوس ، والشرعُ جاء بالنهي عن اتباع الهوى فهذا مضادٌ لذلك الأصلِ المتفق عليه ، ومضادٌ أيضاً لقوله تعالى فإن تنازعتُم في شيءً فردُّوهُ إلى الله والرسولِ  فلا يصحُّ أن يُردُّ إلى أهواء النفوس وإنما يرد الشريعة ) الموافقات (4/145) .

ب) شبهةٌ أخرى : يقولون : نحنُ نقلِّدُ القائلَ بالرخصة!!

فيقال لهم : إنَّ هذا العالمَ الذي قلدتموهُ قد اجتهد فأخطأ فهو مأجورٌ على اجتهاده ، أمَّا أنتمُ فما حُجَّتكُم في متابعتِه على خطئه دون سواهُ من العلماء الذين أفتوا بخلاف ما قال !!!

وكذلك يقالُ لهم : ما لكم تقلِّدون هذا الفقيه في تلك الرخصةِ ولا تقلدونه فيما لم يُرخِّصْ فيه ؟ وتبحثون عن فقيه آخر يفتيكم بالرخصةِ !!! وهذا دليلٌ أنكم تتخذون التقليد ستاراً لما تهواهُ أنفسكم !! ، ثمَّ إنَّ السلف حذّروا من زلات العلماء وتقليدهم فيها : قال عمر ( ثلاثٌ يهدمن الدين : زلَّةُ عالمٍ ، وجدالُ منافقٍ بالقرآن ، وأئمةٌ مضلُّون ) الدارمي وابنُ عبد البر(1/71) بسند صحيح في جامع بيان العلم (2/110).

وقال ابنُ عباس ( ويلّ للأتباع من زلَّةِ العالم، يقولُ العالمُ الشيءَ برأيه ، فيلقى من هو أعلمُ برسول الله منه ، فيخبره ويرجع ، ويقضي الأتباعُ بما حكم ) البيهقى في المدخل وابنُ عبد البر (2/112 ) بإسناد حسن .





يتبع إن شاءالله








التوقيع

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

تركي الزايد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس